الإيديولوجيا تسقط على أسوار التشريعيات
ما إن ظهرت صور المترشحين لموعد الرابع من مايو القادم ، حتى حملت معها بعض المفارقات ، الغير مألوفة في المشهد السياسي الجزائري ، بل أن تلك المتناقضات خلقت سلوكا جديدا في الممارسة السياسية ، أزاح المعيار الإيديولوجي جانبا ، و فتح الباب واسعا أمام حسابات الربح و الخسارة ، في معركة الوصول إلى قبة البرلمان .
و كانت الأحزاب الديمقراطية التي توصف من قبل خصومها الإسلاميين ب » العلمانية » ، أكثر التشكيلات السياسية التي كرست هذا التوجه الجديد ، في عملية إنتقاء مرشيحها للإنتخابات النيابية ، إذ أنها تخلت عن المقياس الإيديولوجي بشكل ملحوظ ، وهو ما فجر كما هائلا من التعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي ، حول ترشيح هذه الأحزاب و خاصة الأرسيدي لعدد معتبر من النساء المحجبات ، وهو المعروف بدفاعه الشرس عن حرية المرأة ، و الدعوة إلى تحقيق المساواة بينها و بين الرجل ، نفس الأمر لوحظ على قوائم الحركة الشعبية الجزائرية برئاسة الدكتور / عمارة بن يونس ، لكن تلك التعليقات ذهبت في مجملها إلى القول بأن صنيع هذه الأحزاب » اللائكية » ، يدحض إدعاءات الإسلاميين حول معاداتها للإسلام .
هذه المفارقات لم تتوقف عند حد الترشيحات ، بل ظهرت أيضا مع بداية الحملة الإنتخابية ، إذ لم يعد أمرا غريبا أن تجد أشخاص معروفين بميولاتهم الإسلامية ، يشاركون في الحملات الدعائية لأحزاب علمانية ، و هو ما أظهره مثلا فيديو متداول على مواقع التواصل الإجتماعي ، لرجل بلحية كثيفة تعبر عن توجهاته السلفية ، يدعو للتصويت لصالح قائمة » الحركة الشعبية الجزائرية » بالجزائر العاصمة ، الذي قال زعيمه عمارة بن يونس يوما » لقد انتهى زمن قال الله قال الرسول » .
و حتى الإسلاميين الذين كانوا يدعون إلى تأسيس » الدولة الإسلامية » أو بناء » المجتمع الإسلامي » ، حاولوا خلال هذه المناسبة الانتخابية ، البروز بوجه منفتح على كافة شرائح المجتمع ، و بخطاب يختلف عن ذلك المعهود عنهم في تسعينيات القرن الماضي ، بل أنهم أصبحوا يستلهمون بشكل واضح من مسار » حركة النهضة » التونسية ، التي أعلنت في مؤتمرها الأخير الفصل بين العمل الدعوي و السياسي .
و قد تجلى هذا المنحى في » المراجعات » التي قام بها عدد من أنصار التيار الإسلامي ، الذين سجلوا حضورهم على الساحة السياسية في ثوب جديد ، غير معطر برائحة الإيديولوجية ، و لعل أبرز من سلك هذا المسار عمار غول زعيم حزب » تجمع أمل الجزائر » ( تاج ) ، الذي طلق المدرسة الإخوانية ، و اتجه إلى نحو ممارسة السياسة بنظرة مغايرة ، و هو الذي كان من مقربي الشيخ / محفوظ نحناح ، فقد أصبح أمرا عاديا مثلا ترشيح » تاج » لعدد من النساء الغير المحجبات ، وهو ما كان في الماضي من » المحظورات » عند الإسلاميين .
و جاءت أكبر مفاجأة تتعلق بالموضوع هذه المرة من ولاية تيبازة ، أين تصدر داعية سلفي معروف القائمة الإنتخابية لحزب الكرامة ذي التوجهات العلمانية ، هذا المترشح كان إلى زمن قريب يدعو الناس في خطبه و مقالاته إلى عدم الإنشغال بالسياسة ، بل و يحرم الإنتماء إلى الأحزاب ، غير أنه انقلب على أعقابه ، و عدل عن أفكاره القديمة ، إلى درجة أصبح لا يرى مانعا في ترشح المرأة للإنتخابات ، بعد أن كان يرى أن مكانها الوحيد هو البيت و ليس البرلمان .
و يبقى المنطق الميكافيلي القائم على أن » الغاية تبرر الوسيلة » هو السائد في تفكير الأحزاب السياسية المتنافسة في معركة التشريعيات ، ما جعلها تكرس سلوكا جديدا في الممارسة السياسية ، يقوم بالأساس على تحقيق المكاسب ، متحررة بذلك من عقدة الإيديولوجية ، التي لازمت التيارات الإسلامية و العلمانية على السواء ، منذ عقود من الزمن …
فهد بوعريوة
yoyo
je ne changerai pas le FIS pour tout et je ne voterai pont sans le retour de celui qui etait la vraie opposition au regime